Art contemporain
sábado, 5 de junio de 2010
Poétique de la Lumière et l'Ombre شاعرية الضوء والظل
------------------------------------------------- شاعرية الضوء والظل
محمد الرايس، من الأسماء الفنية المغربية المغمورة التي أجبرتها إكراهات الحياة على العيش في المهجر أكثر من عشرين سنة، دون الانقطاع في التفكير في موطنها أو المتابعة بعشق للفن التشكيلي المغربي وتطوراته، بدأ تكوينه الفني بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان ثم بكلية الفنون الجميلة بمدريد بإسبانيا، ثم التحق بالمدرسة الوطنيةالعليا للفنون الجميلة بديجون فرنسا حيث حصل على الدبلوم الوطني للفنون التشكيلية والدبلوم الوطني العالي التعبير التشكيلي، ليحط به الرحال أخيرا في مدينة برشلونة ، حيث سنحت لي الفرصة لزيارته والاضطلاع على منجزاته ومشاريعه التشكيلية.
تعتبر تجربة الفنان محمد الرايس التشكيلية من أهم التجارب المغربية الحداثية والمعاصرة، التي تجاوزت حدود الاهتمام الكلاسيكي بالقضايا المطروحة منذ أواسط الثمانينيات، والتي تعتبر مدخلا نوعيا للاشتغال على عناصر فنية تحتل فيها المشاهدة موقع التحول من ما هو مادي ملموس لما هو مرئي يصعب تحديده ومحاصرته، انطلاقا من تجهيزات أداتها قطع نحتية لم يكن إنجازها هدفا في حد ذاته، بل وسيلة محركة للفكرة الرئيسية التي يختزنها هذا المشروع في بعده المفاهيمي، خاصة في مرحلة عرفت فيه فرنسا موجة جديدة من هذا النوع، لكن ما يميز أعمال الفنان محمد الرايس، هو حفاظه على هوية أصيلة في سياق اهتمام إبداعي يغرف من ذاكرته الطفولية المرتبطة بمسقط رأسه (مدينة القصر الكبير) كمكان تكاد تنعدم فيه قوة الإنارة ليليا خاصة في الأحياء بأزقتها الضيقة وعمرانها القديم، مما جعل من هذه الهوية بعاملها التراتبي، فعلا إبداعيا مترسبا عن مرجعية ذاتية دفينة في اللاوعي ومتأثره بالمكان.
إن أهمية هذه الأعمال تكمن قوتها في تقابلات الضوء والظل، ومدى أحجام انعكاسهما حسب فرضية حسابية تتمثل في مسافات العرض للأيقونات وبعدها عن الضوء، باعتبارها سينوغرافيا ثابتة تؤرخ للحظة زمنية معينة تقتضي أمكنة مناسبة لتقديمها للمتلقي، وبهذا تكون هذه التجربة قد استوفت عنصرين أو عاملين أساسيين: عامل يدوي تتحكم فيه تقنيات حرفية متميزة كنحات، وأخرى ذهنية تتحكم فيها خدع مشهدية ومؤثرات ضوئية لا يمكن القبض عليها، استنادا لتكوين وعقيدة الفنان الراسخة وإيمانه بجمالية وأسرار الكون والطبيعة، ليقف على معادلة غير واردة بين اللون كمادة والنور بمفهومه الصوفي كشعاع يصعب تجسيده، ولا يمكن إلا محاكاته، مما أضفى على عمله طابع الهوية الكونية انطلاقا من المحلية، وقد يصعب تصنيف هذه التجربة ضمن الحركة التشكيلية برمتها، نظرا لكونها تجمع بين مختلف الأجناس التعبيرية التي حاول من خلالها الفنان محمد الرايس أن يطرح أسئلة مقلقة متعددة دون الإجابة عنها، لإشراك الملتقي وإقحامه في اقتسام هموم هذه الأسئلة العالقة، حيث تتعدد زوايا المشاهدة، وحيث يصبح هذا الملتقي جسديا وفكريا جزءا مكملا لهذا العمل واستمرارية على مستوى المساهمة في وحدة العناصر المؤثثة لفضاء العرض.
فرغم قلة عروض الفنان محمد الرايس وقلة كلامه، نظرا لطبيعته التأملية، وانتقاده المتأني للظواهر الفنية المحيطة به، فهو يفصح كيفيا ويفجر في عمله كل الاحتمالات الفكرية الممكنة ليصل إلى أقصى درجات التصوف الإبداعي بشاعرية مطلقة تجعل المشاهد يعيش عوالم فنطستيكية استنادا لقول الشاعر الراحل (نزار قباني) عند زيارته (مدينة القصر الكبير): «مدينتكم سحرها من سحر مدن ألف ليلة وليلة»، كما يعتبر عمل هذا الفنان في آونته ثورة حداثية على الطرق التعليمية الفنية التقليدية بالمغرب في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، وعامل أساسي لترحاله وتنقلاته في أوربا، بحثا عن اكتمال حريته الإبداعية وعشقه الفاتن بما هو جديد.
إذن فتحية للفنان المهاجر محمد الرايس على صموده واستمراريته في البحث عن أساليب تليق بأهمية أسئلته العميقة النابعة من صدق وجدانه وكيانه كمبدع يستحق الاهتمام.
2010/05/23 شفيق الزكاري
Suscribirse a:
Entradas (Atom)